الذنوب
يُعرّف الذَنب لُغةً أنّه الإثم والمعصية، أمّا من ناحية شرعيّة فيُعرّف أنه مخالفة تعاليم وأوامر الإسلام التي أمرنا الله عز وجلّ باتباعها أو نهانا عن اجتنابها. للذّنب أثر وضرر كبير على قلب المسلم وحياته بشكل عام، فهو أشبه ما يكون بالسم الذي يصيب البدن، ويؤدّي إلى ظلام القلب ووحشته، ولذلك يتوجّب على المسلم أن يحرص كل الحرص على اجتنابه، وأن يستغفر الله تبارك وتعالى، ويتوب إليه بعد كل ذنب يُصيبه، وعلى الذنوب التي وقعت قديماً؛ فالذنب يُنقص ويُضعف من الإيمان وعزيمة المسلم، كما أنه قد يحرم الإنسان من الرّزق، ويكون سبباً في إضعاف فراسة المؤمن وبصيرته، بالإضافة إلى أنّ بعض الذنوب تكون سبباً في عذاب القبر، وعذاب يوم القيامة.

كبائر الذنوب وردت كلمة الذّنوب في القرآن الكريم في عدة مواقع مختلفة، وفي كل موقع يُشير لفظ ذنوب أو ذنب بمعنى مختلف عن موقع آخر ذُكر في القرآن الكريم، وهذا يدل على أن لفظ الذّنوب يحمل معاني وأنواع عديدة وكل لفظ يُشير إلى حجم الذّنب ونوعه، وقد أجمع العلماء بناءً على القرآن الكريم والسنة الشريفة على أن الذّنوب تنقسم إلى قسمين، وهما: الصّغائر، والكبائر. نستدل على ما سبق من الآية الكريمة بقوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)، لو تمعنّا هذه الآية نرى أن هناك ذنوب كبيرة تُسمى بالكبائر أي جمع كبيرة وهي ما كبُر من المعصية ونهى الدين عن اجتنابها، وأيضاً الآية الكريمة: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾، نستفيد من الآية أن هناك كبائر من الإثم وهناك صغائر مثل اللّمم. حددّ العلماء ضوابطاً للتّمييز بين الكبائر والصّغائر، بناءً على الحديث الشريف على لسان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (اجتنبوا السبعَ الموبقاتِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ، وما هن؟ قال: الشّركُ باللهِ، والسحرُ، وقتلُ النّفسِ التي حرّم اللهُ إلا بالحقِّ، وأكلُ الربا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتولي يومَ الزحفِ، وقذفُ المحصناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ) وسّع العلماء دائرة الكبائر فاشتملت أنواعاً عديدة من الذنوب الكبيرة التي نهى الدين عن ارتكابها وأوجب لها عذاباً في الدّنيا والآخرة مثل عقوق الوالدين، والظلم بأنواعه كما ورد في الآية الكريمة: ﴿ولا تَرْكَنُوا إلى الذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُم النَّارُ﴾ والغيبة والنميمة، والاستهانة بالدين، والتبرّج، والفتن التي قد توقع الفساد بين الناس. الكبائر وصفها الرسول عليه الصّلاة والسّلام بالموبقات المُهلكات لأنّها تُهلك صاحبها وتُهلك حسناته، وأيضاً يمكن تحديد الكبائر وتمييزها بأنّها الذنوب التي جاء فيها وعيدٌ من الله بالعذاب في نار جهنم، وجاء فيها الوعيد بالحرمان من شم رائحة الجنة، وجلبت لصاحبها اللعنة والغضب من الله عز وجل ووُصف صاحبها بالفسق، وكلّ ذنب أُوجب له حد في الدين. الكبائر تقسم إلى أنواع عديدة، تصدر إمّا عن الجوارح وهي اللسان كالشرك بالله وقذف المُحصنة، وقول الزور، وتعليم السحر، أو اليد كالسرقة والقتل، أو الرجل مثل التولي يوم الزحف، أو البطن مثل أكل مال اليتيم، وأكل الربا وشرب الخمر، أو الفرج مثل الزنا، وهناك كبائر متعلقة بالقلب وتُسمّى الجوانح مثل الشرك بالله واليأس من رحمته وروحه والتكبر.



صغائر الذنوب هي اللمم من الذنوب أي المسلم يرتكب الذنب مرّةً واحدة ثم يتوب عنه ويشعر بالنّدم، ولا يعود إليه أبداً وليس عليه حد أو عقاب في الدين، ولا يُوجب عليه عذاب الآخرة، وصف الرسول عليه الصّلاة والسّلام الصّغائر من الذنوب بالمُحقرات من الذنوب، كما ورد بالحديث الشريف: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ)، تُسمّى صغيرة لأنه يمكن تلافيها، وضررها لا يتعدّى حقوق الآخرين. قد يقع أثر الذنب في القلب ويُظلمه، ويستهين به المسلم ويُصرّ على عمله دائماً بالتالي قد يوصله بطريقة غير مباشرة لفعل الكبائر، فالإصرار على الذنب لعدة مرّات يُسمّى معصية، مثلا النظر إلى المرأة دون قصد يُعتبر لمم، أما إذا استمرّ المسلم بالنظر فهذا يُعتبر زنا العين كما ورد في أحاديث شريفة، ولكن زنا النظر ليس كمصطلح الزنا المتعارف عليه، ولكن قد يوصل صاحبه إلى ارتكاب الكبيرة إذا استمرّ عليها. يتوجّب على المسلم التّوبة مباشرةً بعد وقوع الذنب، والإقلاع عنه مع تأنيب النفس على اقترافه، ويجب عليه مراقبة نفسه ومحاسبتها باستمرار، كما ورد في الآية الكريمة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنوب إِلاَ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.


قال الإمام الصادق: (لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار)، أي عندما تستمر وتُصر على ارتكاب الذّنوب الصغيرة سوف تُصبح كبيرة لأثرها على المسلم، بينما إذا تاب المسلم وأقلع عن الذنب فإنّه بإذن الله يُغفر، فيجب عدم الاستهانة بالذّنب والاستخفاف به وإنّما ينظر المسلم لمن عصى، ولا يغترّ بستر الله عز وجلّ له وإمهاله له، كما أنّ التجاهر بالسيئات أمام الناس قد يبدلها إلى كبيرة، لأنّ المسلم عندما يجهر بالمعصية قد يشجّع غيره على اقترافها، ويوحي استخفافه بعظمة الله تعالى وكل هذا يؤدي للكبائر.